الدكتور عادل عامر
يبدوا أن قيادات الشعب الفلسطيني وخاصة تلك التي تتعنت وتسير في طريق الخلاف ظنا منها أن الخلاف يؤدي لانتصار فئة على أخرى وان الخلاف في محصلته مصلحه تحقق الهدف المنشود مخطئ من يظن أو يعتقد أن الخلاف يحقق الهدف أو الغاية المرجوة وخاصة في الحالة الفلسطينية ، ويبدوا أننا لم نقرأ التاريخ الفلسطيني ، لأجل أن نتعظ من الماضي ونتعظ من أخطائه ، ويبدوا أننا ما زلنا ولغاية الآن نجهل تاريخ القضية الفلسطينية ، أو أننا نتغاضى أو نتناسى التاريخ ،لأننا وصلنا إلى هذه الحالة من الانقسام الذي نحن عليه ، لابل وصل بنا الحال إلى الاقتتال ونحن بعد لم نتحرر من الاحتلال ، اختلفنا على سلطه وما زلنا في ظل الاحتلال ، تناسينا ولغاية الآن أن السلطة التي هي في ايدينا لم تصل بعد إلى السلطة السيادية سلطة الدولة المستقلة التي ما زلنا ومنذ اوسلوا ولغاية الآن نخوض غمار التفاوض والحرب المشروعة لأجل الوصول لغايتنا وأهدافنا للتحرر من هذا الاحتلال الظالم و العدوان الأخير على قطاع غزة ليس سوى حلقة من حلقات المشروع الصهيوني الإرهابي الذي ينفذ في أرض فلسطين المباركة منذ ستين عاما. طيلة هذه السنوات لم يعرف هذا المشروع كللا و لا مللا، بل في كل مرة يوظف أشكالا جديدة وطرقا مختلفة،ويحشد طاقات المنتمين إليه و الداعمين له من الساسة و الحاخامات والمفكرين و الطلاب و الأطفال و ليس الهدف هنا أن نستعرض ما يتعلق بهذا المشروع الصهيوني و آليات عمله ، فذلك شأنه و هو عدونا على كل حال . لكن الهدف هو تنبيه أبناء أمتنا العربية و الإسلامية- الذين خرجوا عن بكرة أبيهم صارخين في وجه العدوان الغاشم متضامنين مع إخواننا في غزة- إلى أن هذا العدوان ليس فعلا عدوانيا عابرا توقف بعد إنفاذ مجازره و مذابحه . مع العلم أن المعابر لما تفتح بعد ،وأطلال المنازل و المساجد والمؤسسات لازالت مشاهدها قائمة ،وأعداد الشهداء في ارتفاع ،كما أن التهديدات بضربة عسكرية أشد من سابقاتها متواصلة من قادة الإجرام ، فضلا عن كون غزة لاتمثل سوى 150كلم من الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا الأمر يحتم علينا إدامة التفاعل مع القضية الفلسطينية و استمراره ، خاصة بعد أن نجحت معركة الفرقان في إرجاعها إلى مربعها الأصلي كقضية جوهرية و مركزية بالنسبة لجميع المسلمين وحققت مكاسب لم نكن نحلم بها في الوقت القريب حقيقة . فهذه مكاسب سياسية وتلك إعلامية و أخرى حقوقية وغيرها. وهي مكاسب عظيمة و رفيعة الرتبة –بطبيعة الحال- إلا أنها يمكن- مع مرور الوقت- أن تصير حديث النخبة المشتغلة في هذه المجالات بصفة مباشرة، كما يمكن أن تغطي عليها قضايا أخرى يرزح تحتها العالم الإسلامي . لذلك ينبغي أن نستثمر التعاطف الشعبي من أجل تحويله إلى أداة فاعلة أكثر و مؤثرة باستمرار في ساحة المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني و أزلامه في المنطقة و أيضا في تاريخ الأجيال القادمة . خاصة منها التي عاشت فصول العدوان الأخير و شهدت على إرهابه و إجرامه .فلا يكون هذا التعاطف و التضامن مقتصرا على مبادرات مستعجلة تستجيب فقط لهذه اللحظة الحرجة . إن أول خطوات التفاعل الإيجابي و أعظمها أثرا على المدى البعيد هو الحفاظ على مركزية القضية في سلم أولويات الاهتمام ، و أداة ذلك ووسيلته هو التعريف بفلسطين و المسجد الأقصى تاريخا و حضارة و جغرافيا و شهداء وملاحم وبطولات تؤكد أحقية المسلمين بهذه الأرض المباركة ، مقابل التعريف بحقيقة المشروع الصهيوني و مؤامراته الخبيثة و طبيعته العدوانية الذي يستغل لأجلها النبوءات التوراتية و يؤلف الأساطير التي تؤسس لإنفاذ مخططاته على الأرض ، و أيضا توثيق اعتداءاته وجرائمه في حق المقدسات و الإنسان و الحيوان و العمران. هذه الخطوة الأساسية تحقق لنا أمورا مهمة منها :
1/ النظر إلى القضية الفلسطينية نظرة كلية شاملة بعيدة عن التجزيء الذي يتلف كثيرا من الحقائق و يضيعها هذا النظر الكلي يتيح لنا تصحيح التصور و يؤسس لفعل جماهيري واع في ميادين مختلفة و جبهات متعددة . كما يبصر كل أفراد الأمة بحجم التحدي الذي يواجههم ويضعهم أمام المسؤولية الملقاة على عاتقهم . وهنا لابد من الإشارة إلى أن النظر إلى قضية فلسطين و المسجد الأقصى يجب أن يتأسس على رؤية عقائدية و منظور قرآني صرف من جهة مخاطبة المسلمين وأيضا على أحقية الشعوب بالبقاء و الأمن في أوطانها عند مخاطبة غيرهم.
2/ استمرار الضغط على الحكومات لتكون في مستوى تطلعات شعوبها و انتظاراتهم .
3/ حفظ الذاكرة التاريخية و الحضارية للأمة من الضياع .
4/ تأصيل قضية فلسطين و المسجد الأقصى بالذات و تجذيرها في العقول الناشئة .
5/ حضورها الدائم في حياة الأمة و تفكيرها و مشاريعها و برامجها .
ومن أهم الخطوات الفاعلة -في هذا المساق - العمل على توعية الناس بأهمية الاستمرار في مقاطعة المنتوجات الصهيونية و مؤسساتها القائمة في كثير من البلدان العربية و الإسلامية . هذه التوعية يجب أن تكون في مسارين : * المسار الأول : إقناع الناس بأن الإقتصاد و المال هو الحبل الممدود من الناس للعدو ، يتمسك به لإدامة وجوده ومخططاته العدوانية.
· المسار الثاني : دفع الشبهات التي يلقي بها أرباب التطبيع و أبواقه في كل حين من أجل تشكيك الناس في مصداقية هذا الخيار الإستراتيجي وفعاليته ، من قبيل غياب البدائل و ارتهان الإقتصاد المحلي لاقتصاد الأعداء و غيرها وهي شبهات تنم عن نفسية استحكم فيها الانهزام إلى أبلغ مدى، و إرادةٍَ سلمت ناصيتها إلى أسيادها. كما أنها تهدف إلى تغييب الدور الشعبي المؤثر و قتل إرادته الفاعلة و اختياراته الحرة ، و تحويل الأمة –إلى مجرد" ظاهرة صوتية " تتقن فن الخطابة و تجييش العواطف و رفع الشعارات و الصرخات، وبعدها تنصرف إلى حال سبيلها لتدفع أموالها عن غير وعي أو قصد لشراء منتوج سرعان ما يتحول رصاصا في صدور الأبرياء العزل و فسفورا أبيض يخرق الأجساد و يخنق الأنفاس .. لذا يجب الاستمرار في حملة المقاطعة للمنتوجات الصهيونية مادام العدو يحتل شبرا من الأراضي المقدسة و لا ينبغي التخلف عنها بمجرد انطفاء شعلة الحماس وفتور ردة الفعل كما حصل في مراحل سابقا ،سكت فيها المنادون بالمقاطعة حتى. فالمقاطعة –
· كاتب المقال / كاتب وباحث سياسي وقانوني واسلامي مصري