والحب من طبيعة الإنسان، فالحب عمل قلبي، ولذا كان الحب موجود منذ وجد الإنسان على ظهر هذه الأرض، فآدم يحب ولده الصالح، وابني آدم كان ما بينهما بسبب المحبة، وتظل المحبة على وجه الأرض ما بقي إنسان.
ولما كانت المحبة بتلك المنزلة جاء الإسلام ليهذبها، ويجعل هذا الرباط من أجل الله، فالمؤمن يحب من أجل الله ويبغض لله يوالي له ويعادي له، وهكذا الحياة كلها لله.
"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له"
وقد امتن الله عز وجل بهذا التأليف للقلوب قال سبحانه وتعالى:
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء ً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون"
وقال جل وعلا :"وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ًما ألفت بين قلوبهم".
"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"
هذه المحبة امتدت لتشمل من رأيناهم ومن لم نرهم.تأملوا في تلك الآية
"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا"
فسبحانك ربي محبة تربط أجيال بأجيال أخرى لم يحصل بينهم أي تلاقى ٍ للأجساد ولكن جمعتهم المحبة في الله.
يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فيقول وددت لو لأني رأيت أحبابي قالوا يا رسول الله ألسنا أحبابك قال أنتم أصحابي أحبابي يأتون بعدي آمنوا ولم يروني.
تخيل.. بل تأمل.. النبي صلى الله عليه وسلم يحبك أنت ويشتاق لك.
ولذا وجد في الأمة من يتمنى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بما له من أهل ومال.
محبة المؤمنين من الإيمان
وهذه المحبة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ممتدة لأهل الإيمان وإن كانت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تقدم على النفس والأهل والمال، فإن محبة المؤمنين أيضا هي من الإيمان.
نعم المحبة لها علاقة بالإيمان : في الصحيحين من حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأنصار : لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق.
من واجبات المحبة في الله :
1 ـ إخبار من يحب.
فعن المقداد بن معدِيكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه. رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
2 ـ أن تحب له ما تحب لنفسك.
لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
3ـ الهدية.
في سنن البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تهادوا تحابوا.
4ـ إفشاء السلام.
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم.
5 ـ البذل والتزاور.
والمقصود البذل بمعناه الواسع بذل من الوقت والجهد والعلم والمال.
إن أخاك الحق من كان معـك * * * ومن يضـر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صـدعك * * * شتت فيك شمله ليجمعك
6-حرارة العاطفة :
روى الطبراني في الأوسط من حديث عائشة قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلمفقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم..."
وأختم بهذه الأبيات الرائعة للإمام الشافعي رحمه الله :
إذا المرء لا يلقاك إلا تكلفــا فدعه ولا تكثر عليه التأسفــــا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفـا
فما كل من تهـواه يهواك قلبـه ولا كل من صافيته لك قد صفــا
إذا لم يكـن صـفو الوداد طبيعـة فلا خيـر في ود يجيء تكلفـــا
ولا خير في خِل ٍ يخـون خليـله ويلقـاه من بعـد المودة بالجـفـا
وينـكر عيشا ً قد تقـادم عهـده ويظهـر سرا ً كان بالأمس قد خفا
سلام ٌ على الدنيا إذا لم يكـن بها صديقا ٌصدوقا ٌصادق الوعد منصفا
نسأل الله أن يرزقنا حبه وحب نبيه صلى الله عليه وسلم وحب من يحبه وحب كل عمل يقرب اليه.