يقول الكاتب:
كان صاحبى رجلا صالحا،ربما قرأ الرقيه الشرعيه احيانا على بعض المرضى ، قال لى :رن جرس هاتفى يوما ،فاذا ابن احد كبار التجار يقول:يا شيخ ، والدى مريض ،ونرغب فى مجيئك لزيارته وقراءة الرقيه الشرعيه عليه.ذهبت الى هناك فاذا قصر منيف تتفجر النعمه من جدرانه ،وقابلنى اولاده ، رحبوا بى ،الترف ظاهر فى وجوههم سألتهم عن مرض ابيهم؟ فقال لى احدهم : ابى مصابا بتليف فى الكبد واكتشفنا قبل ايام انه بدأ معه سرطان فى الدم وقد حدثنا الطبيب ان التقارير الطبيه تشير الى انه لم يبق له فى الدنيا الا ايام معدودات ، والعلم عند الله تعالى .مضيت أمشى معهم عند ابيهم ، فلما كدنا ان ندلف اليه جذبنى أحدهم وقال :يا شيخ عفوا نسينا ان نخبرك ، أبونا لا يعلم بحقيقه مرضه ، فانه لما سألنا عن نتيجه التحاليل خشينا أن يشتد حزنه ، أو يزداد مرضه ،فقلنا له انه مصاب بالتهابات فى البطن عن قريب تزول بمشيئه الله . توكلت على الله ، أدخلونى على أبيهم ، فاذا غرفه فارهة فيها سرير عليه رجل قد جاوز الخمسين بقليل ، تبدو عليه آثار النعمه ، مريض لكن جسمه لا يزال متماسكا ، صافحته برفق ، ثم جلست عند رأسه ، جلس اولاده حوله ، فالتفت اليهم و أمرهم بالخروج ، خرجوا وأغلقوا باب الغرفه ،و بقيت أنا وهو ، فخفض رأسه وظل ساكتا قليلا ثم استعبر وبكى ، التفت الي ودموعه تجرى على خديه ، وقال آه يا شيخ ، فقلت :ما بالك؟ قال: هذه الدنيا التى اجمعها منذ ثلاثين سنه ،حتى تشاغلت عن صلاتى ، وقراءه القرآن ،ومجالس الذكر وكلما نصحنى أحد وقال :يا فلان التفت لآخرتك ،صلاه الجماعه ، صيام النوافل ، تربيه اولادك ، ختم القرآن .قلت له :أنا سأ<مع المال حتى يبلغ عمرى الستين ، فاذا بلغت الستين اعطيت نفسى تقاعدا عن الاعمال وأوكلتها لغيرى ، وأشتغلت بقيه عمرى فى انفاق ما جمعت والعباده والان كما ترى هجم على ما ترى من المرض ، الذى يزداد سوءا يوما بعد يوم ، ثم اشتد بكاؤه. فقلت أبشر بالخير ،ستشفى ان شاء الله وتتعبد كما تريد وحتى ولو قضى الله عليك موتا ،فكلنا سنموت ، ومالك سينفعك بعد موتك و اولادك لن ينسوك سيبنون لك المساجد ويكفلون الايتام ويتصدقون عنك ويدعون لك و ........ فصرخ بى قائلا :خلاص يكفى واخذ يبكى كالصغير ويردد :اولادك يتصدقون عنك !يبنون مسجدا ! أنت ما تعرف هؤلاء الانجاس قلت : لم؟ قال : أولادى الذين يظهرون المحبه لى والشفقه على كانوا البارحه مجتمعين عندى فطال جلوسهم وأردتهم أن يخرجوان فأظهرت لهم أنى نائم ، واغمضت عينى وبدأت ،بالشخير ، فظنوا اننى نائم فعلا ، فلم يمضى دقائق حتى بدأوا يتكلمون عن أموالى ،وكم سينال كل منهم من ميراث ! وكلهم جهال فى قسمه المواريث ،فاختلفوا واشتد نقاشهم ، حتى اختصموا على عمارة لى فى موقع متميز كل منهم يريدها من نصيبه ثم بكى الرجل حتى رحمته خرجت من عنده وانا اردد.
بسم الله الرحمنن الرحيم (ما أغنى عنى ماليه*هلك عنىى سلطانيه ) صدق الله العظيم